السبت، 12 ديسمبر 2009

تقرير المصير --- مزمل يحي

تقرير المصير

بعد مسيرة خمس سنوات كاملة من الدارسة والتعب والسهر الناتج من حضور ما يزيد عن ألفي ساعة من زمن المحاضرات والبحث في الكتب وكتابة المشاريع وتسليمها وغيرها ، يمني الطالب نفسه بمستقبل أفضل بعد حصوله على شهادة التخرج. ويبدأ في وضع صورة زاهية لما يمكن أن يحققه بعد التخرج. ولكن سرعان ما تتلاشى تلك الصورة وتحل محلها صورة قاتمة ومشوشة عن الذي يمكن أن يتحقق بعد اصطدامه بالواقع المرير من عطالة إجبارية وتجنيد إجباري ورحلة بحث إجبارية عن أي فرصة عمل قد تتراءى أو قد تظهر من بعيد. ولكن أكثر ما يثقل كاهلنا - نحن الخريجين- هو إحساسنا بأن حصالة كل تلك الخمس سنين من فترة الجامعة لا تمت بصلة إلى ما يحتاجه سوق العمل. وأنه علينا البدء من الصفر والتعلم من جديد والبحث عن شهادات أخرى ذات فائدة غير البكالريوس كالماجستير والدكتوراة أو شهادات الخبرة كشهادات Microsoft Oracle, أو شهادات الـ Network وغيرها. وما يزعج أكثر هو أننا حين نقبل على تلك الشهادات نجد أننا نحتاج إلى مواد موجودة على ورقة البكالريوس وغير موجودة في أذهاننا. فمثلاً معظم الخريجين يبحثون عن شهادات للغة الانجليزية من معاهد لا يصل مستواها إلى مستوى الجامعة وهم أنفسهم قد تم تدريسهم اللغة الانجليزية لما يقرب من فترة ستة أشهر في السنة الأولى والثانية داخل جامعة الخرطوم. وليس الحال مختلف بالنسبة لمواد الحاسوب والهندسة والرياضيات وغيرها.

رحلة البحث عن شهادات أخرى أو البدء في العمل أو أداء الخدمة الوطنية توقع الخريج في حيرة عن أي طريق سيسلك؟ أو أي من أي طريق يبدأ؟ وماهو المجال الذي يتناسب معه؟ وماهي أفضل مؤسسة يمكن ان تستفيد من قدراته ويستفيد هو من خبرتها؟ ولصعوبة الإجابة على هذه الأسئلة فإننا نترك الإجابة عليها للقادم من الأيام، ونقبل بالحلول المفروضة علينا من قبل الخدمة الوطنية أو من أصحاب العمل. ولك أن تنظر إلى إجابة أحدنا في معاينة ما عن السؤال: ما هو القسم الذي يتناسب معك؟ فتجد الإجابة المعتادة بأنه يصلح لأي قسم حتى وإن لم يكن لديه أي خلفية عن القسم الذي يحتمل أن يقبل فيه.

عدم وجود رؤية واضحة للمستقبل لدى الخريجين يرجع سببه إلى عدم تعودهم على الاختيار وهذا سببه طبيعة التدريس بالجامعة، فكل المواد التي درست للطالب طوال تلك السنين لم يكن للطالب أي يد في اختيارها منذ السنة الأولى وحتى السنة الأخيرة. وهذا يعوّد الطالب إلى الاعتماد على الآخرين في اختيار ما هو مناسب بالنسبة إليه ، ويفقده الرغبة في تعلم تلك المواد التي فرضت عليه إن لم يكن يرغب بها ،ويظن أنه بإهمالها والتغيب عن محاضراتها يمارس حقه الطبيعي في اختيار دخول المحاضرة أو عدمها.

إذا تُرٍكَ للطالب حق اختيار المواد الجامعية مع الاحتفاظ ببعض المواد الأساسية لتعلّم الطالب اختيار ما هو أفضل بالنسبة إليه وأعطاه ذلك دافعاً للتفوق في المواد التي اختارها إذ عليه أن يدافع عن ما اختاره. وسيكون ذلك دافعاً أيضاً لتعلم المواد الأساسية بصورة أفضل لأنها تعتبر مواد سابقة لمواد أخرى يرغب الطالب في تعلمها لاحقاً. فمثلاً إذا نظرنا إلى السنة الأولى بالكلية لوجدنا أن كل المواد تعتبر أساسية وبالتالي فهي إجبارية، ولكن مطلوبات الجامعة لا تعتبر أساسية وعليه يمكن للجامعة تخيير الطالب بينها ولست أعني بالمطلوبات ما درسناه من ثقافة إسلامية ودراسات سودانية ولغة عربية ولغة انجليزية. بل يجب تعميمها على اللغات الأخرى كالفرنسية والألمانية والمواد الأدبية كالموسيقا والمسرح والرسم. وبهذا يجد معظم الطلاب ما يرغب فيه بدلاً عن إلزامهم بمواد يرونها دخيلة عليهم ويزداد اهتمامهم بما اختاروه بانفسهم لأنه لن يبقى لهم عذر بعد ذلك.وأيضاً يجد أستاذ المادة نفسه ملزماً بتقديم أقصى ما عنده لجذب الطلاب إلى اختيار مادته وإلا سيفقد وظيفته أويكون مدرساً لمادة من غير طلبة. وهكذا يتحقق مضمون العلاقة بين الطالب وأستاذ المادة والغاية من تدريسها.

حتى لا يقع الطالب في مشكلة بعد اختياره مادة من المواد فإنه سيقوم بدراسة أولية عن المادة وطبيعة المقرر فيها والغاية من تعلمها، ويقوم بالمفاضلة بينها وبين غيرها من المواد. ولذلك يبدأ بوضع أسس معينة تكون هي المعيار في اختيار المواد. ويبدأ في التعود على الاعتماد على نفسه في وضع نهج يحدد به مصير حياته. وعندما يتخرج ويوضع أمام وضع يحدد مصير حياته كالسفر للخارج للدراسة أو للعمل ، أو قبول عمل في إحدى المؤسسات فإنه لن يتردد كثيراً في الاختيار ولن يندم على اختياره طالما هو مقتنع بما يفعل.


Muzamil Yahia

ليست هناك تعليقات: